فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهو كلام واقف في أعراف الرد والقبول في النظر الجليل، ومن دقق علم ما فيه من الأمرين، وإنما قدم الوصف الأول لأن التخلية قبل التحلية أو لأنه أهم بحسب الحال والمقام إذ المقام على ما قاله المحققون مقام بيان تأخير العقوبة عنهم بعد استيجابهم لها كما يعرب عنه قوله تعالى: {لَوْ يُؤَاخِذُهُم} أي لو يريد مؤاخذتهم {بِمَا كَسَبُواْ} أي فعلوا، وكسب الأشعري لا تفهمه العرب، وما إما مصدرية أي بكسبهم وإما موصولة أي بالذي كسبوه من المعاصي التي من جملتها ما حكى عنهم من مجادلتهم بالباطل وإعراضهم عن آيات ربهم وعدم المبالاة بما اجترحوا من الموبقات {لَعَجَّلَ لَهُمُ العذاب} لاستيجاب أعمالهم لذلك، قيل وإيثار المؤاخذة المنبئة عن شدة الأخذ بسرعة على التعذيب والعقوبة ونحوهما للإيذان بأن النفي المستفاد من مقدم الشرطية متعلق بوصف السرعة كما ينبى عنه تاليها، وإيثار صيغة الاستقبال وإن كان المعنى على المضي لإفادة أن انتفاء تعجيل العذاب لهم بسبب استمرار عدم إرادة المؤاخذة فإن المضارع الواقع موقع الماضي يفيد استمرار الفعل فيما مضى {بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ} وهو يوم بدر أو يوم القيامة على أن الموعد اسم زمان، وجوز أن يكون اسم مكان والمراد منه جهنم، والجملة معطوفة على مقدر كأنه قيل لكنهم ليسوا مؤاخذين بغتة بل لهم موعد {لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلًا} قال الفراء: أي منجا يقال وألت نفس فلان نجت وعليه قول الأعشى:
وقد أخالس رب الدار غفلته ** وقد يحاذر مني ثم ما يئل

وقال ابن قتيبة: هو الملجأ يقال وأل فلان إلى كذا يئل وألا ووؤولًا إذا لجأ والمعنى واحد والفرق إنما هو بالتعدي بإلى وعدمه، وتفسيره بالملجأ مروي عن ابن عباس، وفسره مجاهد بالمحرز، والضحاك بالمخلص والأمر في ذلك سهل، وهو على ما قاله أبو البقاء: يحتمل أن يكون اسم زمان وأن يكون اسم مكان، والضمير المجرور عائد على الموعد كما هو الظاهر، وقيل: على العذاب وفيه من المبالغة ما فيه لدلالته على أنهم لا خلاص لهم أصلًا فإن من يكون ملجأه العذاب كيف يرى وجه الخلاص والنجاة.
وأنت تعلم أن أمر المبالغة موجود في الظاهر أيضًا؛ وقيل: يعود على الله تعالى وهو مخالف للظاهر مع الخلو عن المبالغة، وقرأ الزهري {مولًا} بتشديد الواو من غير همز ولا ياء، وقرأ أبو جعفر عن الحلواني عنه {مولًا} بكسر الواو خفيفة من غير همز ولا ياء أيضًا.
{وَتِلْكَ القرى} أي قرى عاد وثمود. وقوم لوط، وأشباههم، والكلام على تقدير مضاف أي أهل القرى لقوله تعالى: {أهلكناهم} والإشارة لتنزيلهم لعلمهم بهم منزلة المحسوس، وقدر المضاف في البحر قبل {تِلْكَ} وكلا الأمرين جائز، وتلك يشار بها للمؤنث من العقلاء وغيرهم، وجوز أن تكون القرى عبارة عن أهلها مجازًا، وأيًا ما كان فاسم الإشارة مبتدأ و{القرى} صفته والوصف بالجامد في باب الإشارة مشهور والخبر جملة {أهلكناهم} واختار أبو حيان كون {القرى} هو الخبر والجملة حالية كقوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} [النمل: 52] وجوز أن تكون {تِلْكَ} منصوبًا بإضمار فعل يفسره ما بعده أي وأهلكنا تلك القرى أهلكناهم {لَمَّا ظَلَمُواْ} أي حين ظلمهم كمافعل مشركو مكة ما حكى عنهم من القبائح، وترك المفعول إما لتعميم الظلم أو لتنزيله منزلة اللازم أي لما فعلوا الظلم، و{لَّمًّا} عند الجمهور ظرف كما أشير إليه وليس المراد به الحين المعين الذي عملوا فيه الظلم بل زمان ممتد من ابتداء الظلم إلى آخره.
وقال أبو الحسن بن عصفور: هي حرف، ومما استدل به على حرفيتها هذه الآية حيق قال: إنها تدل على أن علة الإهلاك الظلم والظرف لا دلالة له على العلية، واعترض بأن قولك أهلكته وقت الظلم يشعر بعلية الظلم وإن لم يدل الظرف نفسه على العلية، وقيل لا مانع من أن يكون ظرفًا استعمل للتعليل.
{وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم} لهلاكهم {مَّوْعِدًا} وقتًا معينًا لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون فمفعل الأول مصدر والثاني اسم زمان، والتعيين من جهة أن الموعد لا يكون إلا معينًا وإلا فاسم الزمان مبهم والعكس ركيك.
وزعم بعضهم أن المهلك على هذه القراءة وهي قراءة حفص في الرواية المشهورة عنه أعني القراءة بفتح الميم وكسر اللام من المصادر الشاذة كالمرجع والمحيض وعلل ذلك بأن المضارع يهلك بكسر اللام وقد صرحوا بأن مجيء المصدر الميمي مكسورًا فيما عين مضارعه مكسورة شاذ.
وتعقب بأنه قد صرح في القاموس بأن هلك جاء من باب ضرب ومنع وعلم فكيف يتحقق الشذوذ فالحق أنه مصدر غير شاذ وهو مضاف للفاعل ولذا فسر بما سمعت، وقيل: إن هلك يكون لازمًا ومتعديًا فعن تميم هلكني فلان فعلى تعديته يكون مضافًا للمفعول، وأنشد أبو علي في ذلك:
ومهمه هالك من تعرجا

أي مهلكه، وتعقبه أبو حيان بأنه لا يتعين ذلك في البيت بل قد ذهب بعض النحويين إلى إن هالكًا فيه لازم وأنه من باب الصفة المشبهة والأصل هالك من تعرجًا بجعل من فاعلًا لهالك ثم أضمر في هالك ضمير مهمه وانتصب من على التشبيه بالمفعول ثم أضيف من نصب، والصحيح جواز استعمال الموصول في باب الصفة المشبهة، وقد ثبت في أشعار العرب قال عمرو بن أبي ربيعة:
أسيلات أبدان دقاق خصورها ** وثيرات ما التفت عليها الملاحف

وقرأ حفص، وهرون، وحماد، ويحيى عن أبي بكر بفتح الميم واللام، وقراءة الجمهور بضم الميم وفتح اللام وهو مصدر أيضًا، وجعله اسم مفعول على معنى وجعلنا لمن أهلكناه منهم في الدنيا موعدًا ننتقم فيه منه أشد انتقام وهو يوم القيامة أو جهنم لا يخفى ما فيه، والظاهر أن الآية استشهاد على ما فعل بقريش من تعيين الموعد ليعتبروا ولا يغتروا بتأخير العذاب عنهم، وهي ترجح حمل الموعد فيما سبق على يوم بدر فتدبر والله تعالى أعلم وأخبر. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} أي: وما نرسلهم، قبل إنزال العذاب، إلا لتبشر من آمن بالزلفى والكرامة، وإنذار من كفر بأن تأتيه سنة من مضى: {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ} كاقتراح الآيات: {لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} أي: ليزيلوا بالجدال، الحق الثابت عن مقره. وليس ذلك بحاصل لهم. وأصل الإدحاض: إزلاق القدم وإزالتها عن موطئها. فاستعير من زلل القدم المحسوس، لإزالة الحق المعقول.
قال الشهاب ولك أن تقول: فيه تشبيه كلامهم بالوحل المستكره. ثم أنشد لنفسه:
أتانا بوَحْلٍ لإِنكارِهِ ** لِيُزْلِقَ أقدامَ هَذي الحُجَجْ

{وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا} أي: وإنذارهم. أو والذي أنذروا به من العقاب: {هُزُوًا} أي: استهزاء وسخرية وهو أشد التكذيب. وصف بالمصدر مبالغة.
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا} كناية عن عدم تدبرها والاتعاظ بها، بأبلغ أسلوب: {وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} أي: ما عمله من الكفر والمعاصي، وصرف ما أنعم به، إلى غير ما خلقت له، فلم يتفكر في عاقبة ذلك: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} أي: جعلنا عليها حجبًا وأغطيةً كثيرةً، كراهة أن يفقهوه، أي: يقفوا على كنه ما خلقت النعم من أجله: {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} أي: وجعلنا فيها ثقلًا يمنعهم من استماعه. والجملة تعليل لإعراضهم ونسيانهم، بأنهم مطبوع على قلوبهم. وذلك لإيثارهم الضلال على الهدى كما قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5].
{وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} أي: فلا يكون منهم اهتداء ألبتة.
{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا}.
الآيات في هذا المعنى كثيرة. كقوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: 45]. وقوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6]، و: {رَبُّكَ} مبتدأ و: {الْغَفُورُ} خبره وتقديم الوصف بالمغفرة على الرحمة، لأنه أهم بحسب الحال. إذ المقام مقام بيان تأخير العقوبة عنهم، بعد استيجابهم لها. كما يعرب عنه قوله عز وجل: {لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا} والموعد المذكور هو يوم بدر. أو الفتح المشار إليه في كثير من الآيات. أو يوم القيامة. والكل لا حق بهم. والموئل الملجأ والمنجى. أي: ليس لهم عنه محيص ولا مفر.
{وَتِلْكَ الْقُرَى} أي: قرى عاد وثمود وأضرابهم: {أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} بالكفر والطغيان: {وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} أي: وقتًا معيّنًا لا محيد لهم عنه. وهذا استشهاد على ما فعل بقريش من تعيين الموعد، ليتنبهوا لذلك، ولا يغتروا بتأخر العذاب. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}.
بعْد أن أشار إلى جدالهم في هدى القرآن بما مهد له من قوله: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا} [الكهف: 54].
وأشار إلى أن الجدال فيه مجرد مكابرة وعناد، وأنه لا يحف بالقرآن ما يمنع من الإيمان به كما لم يحف بالهدى الذي أرسل إلى الأمم ما يمنعهم الإيمان به، أعقب ذلك بأن وظيفة الرسل التبليغ بالبشارة والنذارة لا التصدي للجادلة، لأنها مجادلة لم يقصد منها الاسترشاد بل الغاية منها إبطال الحق.
والاستثناء من أحوال عامة محذوفة، أي ما نرسل المرسلين في حال إلا في حال كونهم مبشرين ومنذرين، والمراد بالمرسلين جميع الرسل، وجملة: {ويجادل الذين كفروا بالباطل} عطف على جملة {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين}.
وكلتا الجملتين مرتبط بجملتي {ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا} [الكهف: 54].
وترتيب هذه الجمل في الذكر جار على ترتيب معانيها في النفس بحيث يشعر بأن كل واحدة منها ناشىء معناها على معنى التي قبلها، فكانت جملة {ويجادل الذين كفروا بالباطل} مفيدة معنى الاستدراك، أي أرسلنا الرسل مبشرين ومنذرين بما فيه مقنع لطالب الهدى، ولكن الذين كفروا جادلوه بالباطل لإزالة الحق لا لقصد آخر.
واختيار فعل المضارعة للدلالة على تكرر المجادلة، أو لاستحضار صورة المجادلة.
والمجادلة تقدمت في قوله تعالى: {يجادلنا في قوم لوط} في سورة هود (74).
والإدحاض: الإزلاق، يقال: دَحَضَتْ القدم، إذا زَلّت، وهو مجاز في الإزالة، لأن الرجل إذا زلقت زَالت عن موضع تخطيها، قال تعالى: {فساهم فكان من المدحضين} [الصافات: 141].
وجملة {واتخذوا آياتي} عطف على جملة {ويجادل} فإنهم ما قصدوا من المجادلة الاهتداء، ولكن أرادوا إدحاض الحق واتخاذ الآيات كلها وبخاصة آيات الإنذار هزؤا. والهُزُو: مصدر هَزَا، أي اتخذوا ذلك مستهزأً به. والاستهزاء بالآيات هو الاستهزاء عند سماعها، كما يفعلون عند سماع آيات الإخبار بالبعث وعند سماع آيات الوعيد والإنذار بالعذاب.
وعطفُ {وما أنذروا} على الآيات عطف خاص على عام لأنه أبلغ في الدلالة على توغل كفرهم وحماقة عقولهم. {وما أنذروا} مصدرية، أي وإنذارهم والإخبار بالمصدر للمبالغة.
وقرأ الجمهور: {هزءًا} بضم الزاي. وقرأه حمزة {هُزْءًا} بسكون الزاي.
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} لما بين حالهم من مجادلة الرسل لسوء نية، ومن استهزائهم بالإنذار، وعَرّض بحماقتهم أتبع ذلك بأنه أشد الظلم.
ذلك لأنه ظلم المرء نفسه وهو أعجب الظلم، فالذين ذُكِروا ما هم في غفلة عنه تذكيرًا بواسطة آيات الله فأعرضوا عن التأمل فيها مع أنها تنذرهم بسوء العاقبة.
وشأن العاقل إذا سمع مثل ذلك أن يتأهب للتأمل وأخذ الحذر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لقريش «إذا أخبرتكم أن العدو مصبحكم غدًا أكنتم مُصدِّقي؟ فقالوا: ما جربنا عليك كذبًا. فقال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد».
و{مَنْ} المجرورةُ موصولة.
وهي غير خاصة بشخص معين بقرينة قوله: {إنا جعلنا على قلوبهم أكنة}.
والمراد بها المشركون من العرب الذين ذكروا بالقرآن فأعرضوا عنه.
وعطف إعراضهم عن الذكر على التذكير بفاء التعقيب إشارة إلى أنهم سارعوا بالإعراض ولم يتركوا لأنفسهم مهلة النظر والتأمل.
ومعنى نِسيان ما قدمتْ يداه أنه لم يَعرض حاله وأعماله على النظر والفكر ليعلم: أهي صالحة لا تخشى عواقبها أم هي سيئة من شأنها أن لا يسلم مقترفها من مؤاخذة، والصلاحُ بَيّنٌ والفساد بينٌ، ولذلك سمي الأول معروفًا والثاني منكَرًا، ولاسيما بعد أن جاءتهم الذكرى على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم فهم بمجموع الحالَين أشد الناس ظلمًا، ولو تفكروا قليلًا لعلموا أنهم غير مفلَتين من لقاء جزاء أعمالهم.
فـ: {مَن} استفهام مستعمل في الإنكار، أي لا أحد أظلم من هؤلاء المتحدث عنهم.
والنسيان: مستعمل في التغاضي عن العمل.
وحقيقة النسيان تقدم عند قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها} في سورة البقرة (106).
ومعنى {ما قدمت يداه} ما أسلفه من الأعمال.
وأكثر ما يستعمل مثل هذا التركيب في القرآن في العمل السيء، فصار جاريًا مَجرى المثل، قال تعالى: {ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد}، وقال: {وما أصابكم من مصيبة فبما قدمت أيديكم}. والآية مصوغة بصيغة العموم، والمقصود الأول: منها مشركو أهل مكة.
وجملة {إنا جعلنا على قلوبهم أكنة} مستأنفة بيانية نشأت على جملة {ونسي ما قدمت يداه}، أي إن لم تعلم سبب نسيانه ما قدمت يداه فأعلم أنا جعلنا على قلوبهم أكنة. وهو يفيد معنى التعليل بالمآل، وليس موقع الجملة موقع الجملة التعليلية. والقلوب مرادُ بها: مَدارك العلم. والأكنة: جمع كِنان، وهو الغِطاء، لأنه يُكن الشيء، أي يَحجبه.